فصل: شُبَهَاتُ مِنْ أَبَاحَ تَرْجَمَةَ الْقُرْآنِ فِي هَذَا الزَّمَانِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَلَمْ يُلَاحَظْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ مَعَ أَنَّ نَظْمَ الْقُرْآنِ مَوْجُودٌ فِيهِ مُتَخَلِّلٌ بَيْنَ سُطُورِهِ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ تَغْيِيرٌ وَلَا تَبْدِيلٌ، نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْمَجْمُوعَ الْمُرَكَّبَ مِنَ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقُرْآنَ وَلَا تَرْجَمَتُهُ بَلْ يُسَمَّى تَفْسِيرًا فَقَطْ، وَالْغَالِبُ أَنْ تَكُونَ أَلْفَاظُهُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ فَرُوعِيَ جَانِبُهُ فِي الْحُكْمِ كَمَا رُوعِيَ فِي التَّسْمِيَةِ، وَالْكِتَابَةِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَظْمُ الْقُرْآنِ مَوْجُودًا فِيهَا بِذَاتِهِ، وَلَا هِيَ دَالَّةٌ عَلَيْهِ بِهَيْئَتِهِ، وَلَكِنْ لِوَضْعِ نَقْشِهِ مَكَانَ النَّقْشِ الدَّالِّ عَلَيْهِ وَإِقَامَتِهِ مَقَامَهُ نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرُّسُومَ الْكِتَابِيَّةَ لَمَّا كَانَتْ كُلَّهَا مِنْ وَضْعِ الْبَشَرِ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَرَبِيٍّ وَغَيْرِهِ أُعْطِيَتْ حُكْمًا وَاحِدًا حَمْلًا وَمَسًّا، بِخِلَافِ الْأَلْفَاظِ، فَإِنَّ نَظْمَ الْقُرْآنِ مِنْ وَضْعِ اللهِ تَعَالَى وَمَا عَدَاهُ مَنْ صُنْعِ الْبَشَرِ؛ فَلِذَلِكَ لَمْ يُنَزِّلْ غَيْرَ النَّظْمِ الْمُعْجِزِ مَنْزِلَتَهُ قِرَاءَةً وَتَعَبُّدًا وَنَزَلَ الرَّسْمُ غَيْرُ الْعَرَبِيِّ مَنْزِلَةَ الْعَرَبِيِّ حَمَلَا وَمَسًّا عِنْدَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ.
وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الصَّلَاةَ تَفْسُدُ بِالْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ وَنَحْوِهَا عِنْدَ الْعَجْزِ وَعَدَمِهِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَكِتَابَتِهِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مُطْلَقًا.
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ لَا تَجُوزُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَكِتَابَتُهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ؛ وَلِذَلِكَ أَوْجَبُوا تَعَلُّمَ الْفَاتِحَةِ عَلَى مَنْ لَا يُحْسِنُ قِرَاءَتَهَا فِي الصَّلَاةِ بِالْعَرَبِيَّةِ إِنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا ائْتَمَّ بِمَنْ يُحْسِنُهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْمُخْتَارُ سُقُوطُهَا وَسُقُوطُ الْقِيَامِ لَهَا وَقِيلَ: يَجِبُ قِيَامُهُ بِقَدْرِ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الذِّكْرِ.
إِذَا عَلِمْتَ هَذَا فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَ جَمِيعِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ وَلَا قِرَاءَتُهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لِعَاجِزٍ أَوْ قَادِرٍ، لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا خَارِجِهَا، إِلَّا مَا تَقَدَّمَ عَنِ السَّادَةِ الْحَنَفِيَّةِ فِي خُصُوصِ الصَّلَاةِ لِلْعَاجِزِ عَنِ الْعَرَبِيَّةِ، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِيهِ وَتَصْحِيحَ الثِّقَاتِ رُجُوعَ الْإِمَامِ عَنْهُ.
وَمِنْ ذَلِكَ تَعُلُّمُ مَا فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْكَافِي مِنْ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ إِنِ اعْتَادَ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ مُصْحَفًا بِهَا يُمْنَعُ، وَإِنْ فَعَلَ فِي آيَةٍ أَوْ آيَتَيْنِ لَا فَإِنْ كَتَبَ الْقُرْآنَ وَتَفْسِيرَ كُلِّ حَرْفٍ وَتَرْجَمَتِهِ جَازَ اهـ.
فَإِنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِالتَّرْجَمَةِ التَّرْجَمَةَ الْحَرْفِيَّةَ لِلْقُرْآنِ فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ مُطْلَقًا ذُكِرَ مَعَهَا تَفْسِيرٌ أَوْ لَمَ يُذْكَرْ؛ لِأَنَّهَا تَحْرِيفٌ وَتَغْيِيرٌ لِلنَّظْمِ لَا يَدْفَعُهُ اقْتِرَانُ التَّفْسِيرِ بِهِ، وَإِنْ أَرَادَ التَّرْجَمَةَ التَّفْسِيرِيَّةَ فَهَذِهِ جَائِزَةٌ مُطْلَقًا بِالشَّرْطِ الَّذِي بَيَّنَاهُ، وَلَيْسَتْ تَرْجَمَةُ الْقُرْآنِ، عَلَى أَنَّ نُصُوصَ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ تُخَالِفُهُ.
وَلِذَلِكَ أَفْتَى صَاحِبُ الْفَضِيلَةِ الْأُسْتَاذُ شَيْخُ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ بِمَنْعِ تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ، وَوُجُوبِ مُصَادَرَةِ الْمُصْحَفِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى التَّرْجَمَةِ الْحَرْفِيَّةِ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا تَرْجَمَةٌ تَفْسِيرِيَّةٌ.
وَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ جَوَازِ التَّرْجَمَةِ الْحَرْفِيَّةِ أَخْذًا مِنْ ظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ} (9: 6) فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى كَمَا ذَكَرَهُ الألوسي وَغَيْرُهُ أَنَّ الْمُشْرِكَ إِذَا طَلَبَ الْأَمَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ يُؤْمِنُ حَتَّى يَتَدَبَّرَ الْأَمْرَ وَيَتَّعِظَ بِمَا يُدْعَى إِلَيْهِ مِنْ هَدْيِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ كَانَ مِنَ الْعَرَبِ تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُ اللهِ وَكَلَامُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْرَفِ النَّاسَ بِدَلَالَتِهَا وَأَعْلَمِهِمْ بِبَرَاعَةِ أُسْلُوبِهَا وَبَلَاغَةِ نَظْمِهَا، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ كَانُوا إِذَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ خَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَهُمْ صَاغِرُونَ، وَآمَنُوا بِهِ وَهُمْ لِإِعْجَازِهِ مُذْعِنُونَ.
وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ يُبَيِّنُ لَهُ مَا يُرْشِدُهُ لِلْحَقِّ وَيَهْدِيهِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ لَا بِخُصُوصِ كَلَامِ اللهِ تَعَالَى.
وَاقْتُصِرَ فِي الْآيَةِ عَلَى ذِكْرِ السَّمَاعِ؛ لِأَنَّهَا مُسَوِّقَةٌ لِبَيَانِ حَالِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَهُمْ مِنْ أَهْلِ اللَّسَنِ وَالْبَلَاغَةِ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُهَا يَتَنَاوَلَهُمْ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَالْمُرَادُ: حَتَّى يَنْصَاعُوا لِطَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ.
وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا سَلَفَ حُكْمَ تَرْجَمَةِ كُتُبِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّ بَعْثَهَا إِلَى الْكُفَّارِ مُشْتَمِلَةً عَلَى بَعْضِ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ لَا يَنْهَضُ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ التَّرْجَمَةِ الْحَرْفِيَّةِ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَرْجَمَةُ مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ نَحْوِ الْآيَةِ وَالْآيَتَيْنِ تَرْجَمَةً تَفْسِيرِيَّةً لَا حَرْفِيَّةً، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهَا حَرْفِيَّةٌ فَهِيَ لَمْ تَذْكُرْ فِي الْكُتُبِ عَلَى أَنَّهَا نَظْمٌ مِنَ الْقُرْآنِ، وَلَا قُصِدَ بِهَا تِلَاوَتُهُ بَلْ سِيقَتِ الدَّعْوَةُ إِلَى حُكْمِهَا ضِمْنَ كُتُبِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اهـ.

.شُبَهَاتُ مِنْ أَبَاحَ تَرْجَمَةَ الْقُرْآنِ فِي هَذَا الزَّمَانِ:

قَدْ كَانَ مِمَّا نَشْكُو مِنْ فَوْضَى الْعِلْمِ وَالدِّينِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ كَتَبُوا مَقَالَاتٍ فِي الْجَرَائِدِ خَالَفُوا فِيهَا جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ مُنْذُ ظَهَرَ الْإِسْلَامُ إِلَى الْيَوْمِ فَزَعَمُوا أَنَّ تَرْجَمَةَ الْقُرْآنِ مُبَاحَةٌ، وَجَاءُوا بِشُبَهَاتٍ يَحْتَجُّونَ بِهَا عَلَى رَأْيِهِمْ، بَعْضُهَا آرَاءٌ لَهُمْ، وَبَعْضُهَا أَقْوَالٌ مِنَ الْكُتُبِ لَمْ يَفْهَمُوهَا، فَهِيَ لَا تَدُلُّ عَلَى زَعْمِهِمْ، وَلَوْ دَلَّتْ عَلَيْهَا لَمْ تَكُنْ حُجَّةً؛ لِأَنَّهَا كَآرَائِهِمْ، وَمَا كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُضَ بِرَأْيِهِ بِنَاءً رَفَعَ سَمْكَهُ الْقُرْآنُ، وَأَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ قَوْلًا وَعَمَلًا.
(الشُّبْهَةُ الْأَوْلَى) مَا اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ لِإِمَامِهِمْ عَلَى قَوْلِهِ الَّذِي كَانَ خَطَرَ لَهُ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ لِظُهُورِ بُطْلَانِهِ لَهُ، كَمَا أَنَّهُ لَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ، وَلَا عَمَلَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَتْبَاعِهِ. أَعْنِي مَا سَبَقَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ مِرَارًا مِنْ جَوَازِ قِرَاءَةِ الْعَاجِزِ عَنِ النُّطْقِ بِالْعَرَبِيَّةِ لَمَّا عَجَزَ عَنْهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ بِالْفَارِسِيَّةِ، أَعْنِي بِمَا اسْتُدِلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} (26: 196) قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي كَشَّافِهِ فِي تَفْسِيرِهَا: وَإِنَّ الْقُرْآنَ- يَعْنِي ذِكْرَهُ- مُثْبَتٌ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ. وَقِيلَ: إِنَّ مَعَانِيَهُ فِيهَا، وَبِهِ يُحْتَجُّ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي جَوَازِ الْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ قِيلَ: وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ لِكَوْنِ مَعَانِيهِ فِيهَا اهـ. وَنَقَلَهُ عَنْهُ آخَرُونَ كَصَاحِبِ التَّفْسِيرَاتِ الْأَحْمَدِيَّةِ. وَصَاحِبِ فَتْحِ الْبَيَانِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ بَعْضُ الْأَزْهَرِيِّينَ فِي الْجَرَائِدِ عِنْدَمَا دَارَ الْجِدَالُ فِي حُكْمِ تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ بِاللُّغَاتِ الْأَعْجَمِيَّةِ وَادَّعَى أَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ فَهِمَ هَذَا مِنَ الْآيَةِ.
وَنَقُولُ فِي رَدِّ هَذِهِ الشُّبْهَةِ:
(أَوَّلًا) إِنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ لَمْ يَفْهَمْ هَذَا مِنَ الْآيَةِ، بَلْ فَهِمَ غَيَرَهُ، وَنَقَلَهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ وَالتَّضْعِيفِ قِيلَ وَإِنَّمَا الَّذِي فَهِمَهُ وَاعْتَمَدَهُ مَا قَبْلَهُ، وَلَعَلَّهُ لَوْلَا عَادَةُ الْمُنْتَمِينَ إِلَى مَذْهَبٍ مُجْتَهِدٍ لِحِكَايَةِ كُلِّ مَا يُؤَيِّدُ قَوْلَهُ مِنْ قَوِيٍ وَضَعِيفٍ لَمْ يَنْقُلْهُ، وَلَوْ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ، وَلَهُ كَثِيرٍ مِنَ النُّقُولِ الضَّعِيفَةِ الَّتِي لَا يَحْمِلُ تَبِعَتَهَا لِإِشَارَتِهِ إِلَى ضَعْفِهَا.
(ثَانِيًا) أَنَّ سَبَبَ إِشَارَتِهِ إِلَى ضَعْفِهِ هُوَ أَنَّ تَفْسِيرَ الْمَعَانِي بِمَا ذَكَرُوهُ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَهُ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَا مِنْ دُونِهِ فِي عِلْمِ اللُّغَةِ وَالدِّينِ، أَعْنِي أَنْ تَكُونَ مَعَانِيهُ هِيَ مَدْلُولُ كَلِمَةِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ، بِأَنْ تَكُونَ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ الْوَاجِبَةُ فِي الصَّلَاةِ- وَهِيَ مَوْضُوعُ مَسْأَلَةِ أَبِي حَنِيفَةَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ- مَوْجُودَةً فِي التَّوْرَاةِ بِهَذَا النَّظْمِ وَالتَّرْتِيبِ وَلَكِنْ بِأَلْفَاظٍ عِبْرَانِيَّةٍ؛ إِذْ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَكَانَ الْقُرْآنُ تَرْجَمَةً لِلتَّوْرَاةِ، وَصَحَّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ هُوَ التَّوْرَاةُ، وَلَا نُطِيلُ فِي بَيَانِ وُجُوهِ فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ وَبُطْلَانِهِ، وَمَا كَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ مُرَادًا مِنَ الْأَبَاطِيلِ كَاحْتِجَاجِ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِكِتَابٍ جَدِيدٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ بَلْ بِتَرْجَمَةِ بَعْضِ التَّوْرَاةِ.
(ثَالِثًا) إِنْ فَرَضْنَا أَنَّ هَذَا مُرَادٌ فِي بَعْضِ الْقُرْآنِ كَقِصَّةِ مُوسَى الَّتِي فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ أَوْ مُطْلَقًا دُونَ الْفَاتِحَةِ، وَمِثْلِ قِصَّةِ بَدْرٍ وَأُحُدٍ، وَأَنَّ مَنْ قَرَأَ قِصَّةَ مُوسَى فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: قَرَأْتُ التَّوْرَاةَ مُتَرْجَمَةً بِالْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّ هَذَا- عَلَى كَوْنِهِ- لَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا عَلَى حَقِيقَتِهِ- لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ كَمَا أَنَّ الَّذِي يَقْرَأُ الْقِصَّةَ فِي سِفْرِ الْخُرُوجِ مِنَ التَّوْرَاةِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ مَوْضُوعُ الْخِلَافِ. وَإِنَّمَا قُصَارَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنْ تَجُوزَ قِرَاءَةُ عِبَارَةِ التَّوْرَاةِ الْمُوَافِقَةِ لِلْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنْ يُقَاسَ عَلَيْهَا جَوَازُ تَرْجَمَتِهَا بِالْفَارِسِيَّةِ مَثَلًا، وَلَمْ يَقُلْ بِالْأَصْلِ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَصِحَّ قِيَاسُهُمْ عَلَيْهِ. وَهَاهُنَا مَجَالٌ وَاسِعٌ لِلتَّجْهِيلِ وَالسُّخْرِيَةِ بِمَنٍّ يَتَهَوَّكُونَ مِثْلَ هَذَا التَّهَوُّكِ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ، وَيَنْشُرُونَهُ عَلَى النَّاسِ فِي مَسْأَلَةٍ عَظِيمَةٍ كَهَذِهِ نَتْرُكُهُ عَفْوًا عَنْهُمْ.
(رَابِعًا) اتَّفَقَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ مِنْ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْآيَةِ مُقَدَّرٌ فِيهِ مُضَافٌ قَبْلَ ضَمِيرِ الْقُرْآنِ، وَمُضَافٌ قَبْلَ ضَمِيرِ الْقُرْآنِ، وَمُضَافٌ قَبْلَ زُبُرِ الْأَوَّلِينَ- كَمَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ- وَالْمَعْنَى: وَإِنَّ ذِكْرَهُ أَوْ خَبَرَهُ أَوْ دَلِيلَ صِدْقِهِ- مَثَلًا- لَثَابِتٌ فِي بَعْضِ زُبُرِ الْأَوَّلِينَ. وَلَهُمْ فِي الضَّمِيرِ قَوْلَانِ:
(أَحَدُهُمَا): أَنَّهُ الْقُرْآنُ- وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنَ السِّيَاقِ قَبْلَهُ.
(وَالثَّانِي): أَنَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَمَا قَالَ: {يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} (7: 157).
(خَامِسًا) أَنَّ الَّذِي يُوجَدُ مِنْ مَعَانِي الْقُرْآنِ فِي كُتُبِ الرُّسُلِ الْأَوَّلِينَ قِسْمَانِ:
(أَحَدُهُمَا) عَامٌّ يُوجَدُ فِيهَا كُلِّهَا وَهُوَ أُصُولُ الدِّينِ الْإِلَهِيِّ الْمُطْلَقِ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللهِ تَعَالَى وَعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ وَالْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَمَا يُقَابِلُ ذَلِكَ مِنَ الزَّجْرِ عَنِ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي وَالرَّذَائِلِ- وَيَصِحُّ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَيْهِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} (42: 13) إِلَخْ.
(وَالثَّانِي) خَاصٌّ وَهُوَ الْأَقْرَبُ إِلَى السِّيَاقِ سَابِقِهِ وَلَاحِقِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَأَمْثَالِهَا مِنْ قِصَّةِ مُوسَى وَكَذَا غَيْرِهِ مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ الَّتِي كَانَتْ مَجْهُولَةً عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَوْمِهِ وَأَهْلِ بَلَدِهِ خَاصَّةً؛ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَهَا: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} (26: 197) كَمَا قَالَ عَقِبَ قِصَّةِ مُوسَى فِي سُورَةِ الْقَصَصِ مُخَاطِبًا لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مُحْتَجًّا عَلَى صِدْقِ مَا جَاءَ بِهِ: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ} (28: 44) الْآيَاتِ.
فَهَلْ يَصِحُّ لِذِي عِلْمٍ أَوْ فَهْمٍ أَنْ يَقُولَ فِي الْآيَةِ إِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَإِنَّ التَّرْجَمَةَ مَعَ هَذَا تُسَمَّى قُرْآنًا، وَكَلَامَ اللهِ، وَيُتَعَبَّدُ بِهَا، خِلَافًا لِنُصُوصِ الْقُرْآنِ الْقَطْعِيَّةِ، وَلِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ مُنْذُ وُجِدَ الْإِسْلَامُ إِلَى الْيَوْمِ؟! لَكَ أَنْ تَقُولَ: إِنَّ فَوْضَى الْعِلْمِ وَالدِّينِ يَصِحُّ مَعَهَا مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ هَذَا عَنِ الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ، كَمَا صَحَّ لِعَالِمٍ أَزْهَرِيٍّ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ رَجَّحَ الْقَوْلُ الَّذِي رَأَيْتُ أَنَّهُ حَكَاهُ حِكَايَةً بِصِيغَةِ التَّضْعِيفِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ، وَلَا فِي قَوَاعِدِ اللُّغَةِ مَا يَمْنَعُ هَذَا التَّفْسِيرَ، وَقَدْ عَلِمْتُ قَطْعًا أَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ، وَالْمُتَبَادِرَ مِنَ اللُّغَةِ يَمْنَعُ ذَلِكَ!!!.
(الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ) قَوْلُ هَذَا الْأَزْهَرِيِّ وَإِنْ رَجَعْنَا إِلَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ-؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ وَعَدَمَهُ مِنْ مَبَاحِثِهِمْ- رَأَيْنَا الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ رُوِيَ عَنْهُ فِي الْأُمِّ أَنَّ لِلْأَعْجَمِيِّ أَنْ يَنْطِقَ بِالْقُرْآنِ مُتَرْجَمًا إِلَى غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَّ مَا يَنْطِقُ بِهِ إِذَا أَرَادَ الْقُرْآنَ بِهِ صِحَّتْ صَلَاتُهُ، وَعِنْدَمَا يَنْطِقُ بِهِ قِرَاءَةً وَقُرْآنًا، وَأَنَّهُ يَجُوزُ وُجُودُ جَمَاعَةٍ تُصَلِّي فِي مَسْجِدٍ يَقْرَأُ الْإِمَامُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ بِلِسَانٍ أَعْجَمِيٍّ، وَيَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّونَ بِهِ بِلِسَانٍ أَعْجَمِيٍّ، كَذَلِكَ أُمُّ الْقُرْآنِ وَغَيْرُهَا مِنَ السُّورِ مَا دَامُوا لَا يُحْسِنُونَ الْعَرَبِيَّةَ اهـ.
يَا لَلْعَجَبِ وَيَا لِلْفَوْضَى: الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يُجِيزُ لِلْأَعْجَمِيِّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ فِي الصَّلَاةِ مُتَرْجَمًا إِلَى غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ وَيُسَمِّي التَّرْجَمَةَ قُرْآنًا؟ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يُجَوِّزُ إِقَامَةَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ الْعَامَّةِ فِي الْمَسْجِدِ بِإِمَامٍ يَقْرَأُ بِلِسَانٍ أَعْجَمِيٍّ، وَجَمَاعَةٍ يَقْرَؤُونَ بِلِسَانٍ أَعْجَمِيٍّ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أُمُّ الْقُرْآنِ وَغَيْرُهَا مِنَ السُّورِ؟ وَمَاذَا بَقِيَ؟ إِذَا كَانَ الشَّافِعِيُّ يُجِيزُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ بِاللِّسَانِ الْأَعْجَمِيِّ لِلْإِمَامِ وَلِلْجَمَاعَةِ وَلِلْأَفْرَادِ بِمِثْلِ هَذَا الْإِطْلَاقِ الَّذِي حَكَاهُ هَذَا الْعَالِمُ الْأَزْهَرِيُّ عَنِ الْأُمِّ، فَمَا مَعْنَى ذَلِكَ الْبَيَانِ الْمُفَصَّلِ الَّذِي أَوْرَدَهُ فِي رِسَالَتِهِ فِي الْأُصُولِ فِي إِثْبَاتِ كَوْنِ الْقُرْآنِ عَرَبِيًّا، وَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ لِيَقْرَأَهُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ كَمَا أَنْزَلَهُ اللهُ إِلَخ؟.
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ أَنَّ صَاحِبَهَا تَقَوَّلَ عَلَى الشَّافِعِيِّ مَا لَمْ يَقُلْ، عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَدْ نَقَلَ بَعْضَ عِبَارَتِهِ بِتَصَرُّفٍ، ثُمَّ فَسَّرَهَا بِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ، فَقَصَّرَ فِي النَّقْلِ، وَأَخْطَأَ فِي الْفَهْمِ، وَلَا نَتَّهِمُهُ بِتَعَمُّدِ التَّقَوُّلِ عَلَى الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَهَذَا نَصُّ عِبَارَةِ الْأُمِّ: فَإِنَّ أَمَّ أَعْجَمِيٌّ أَوْ لَحَّانٌ فَأَفْصَحَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ. أَوْ لَحْنَ لَا يُحِيلُ مَعْنَى شَيْءٌ مِنْهَا أَجْزَأَتْهُ وَأَجْزَأَتْهُمْ، وَإِنْ لَحَنَ فِيهَا لَحْنًا يُحِيلُ مَعْنَى شَيْءٍ مِنْهَا لَمْ تُجْزِ مِنْ خَلْفِهِ صَلَاتُهُمْ وَأَجْزَأَتْهُ إِذَا لَمْ يُحْسِنْ غَيْرَهُ، كَمَا يَجْزِيهِ أَنْ يُصَلِّيَ بِلَا قِرَاءَةٍ إِذَا لَمْ يُحْسِنِ الْقِرَاءَةَ. وَمِثْلَ هَذَا إِنْ لَفِظَ مِنْهَا بِشَيْءٍ بِالْأَعْجَمِيَّةِ، وَهُوَ لَا يُحْسِنُ غَيْرَهُ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ، وَلَمْ تُجْزِ مَنْ خَلْفَهُ قَرَءُوا مَعَهُ أَوْ لَمْ يَقْرَءُوا، وَإِذَا ائْتَمُّوا بِهِ فَإِنْ أَقَامَا مَعًا أُمَّ الْقُرْآنِ أَوْ نَطَقَ أَحَدُهُمَا بِالْأَعْجَمِيَّةِ أَوْ لِسَانٍ أَعْجَمِيٍّ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ غَيْرَهَا أَجْزَأَتْهُ، وَمَنْ خَلْفَهُ صَلَاتُهُمْ إِذَا كَانَ أَرَادَ الْقِرَاءَةَ لِمَا نَطَقَ بِهِ مِنْ عُجْمَةٍ وَلَحْنٍ. فَإِنْ أَرَادَ بِهِ كَلَامًا غَيْرَ الْقِرَاءَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، فَإِنِ ائْتَمُّوا بِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ اهـ.
ذُكِرَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ فِي الْأُمِّ فِي فَصْلِ عُنْوَانِهِ (إِمَامَةُ الْأَعْجَمِيِّ وَالْأَعْجَمِيُّ كَالْأَعْجَمِ مَنْ فِي لِسَانِهِ لَكْنَةٌ وَفَهَاهَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ عَرَبِيًّا أَوْ عَجَمِيًّا، وَضِدَّهُ الْفَصِيحُ الْجَيِّدُ النُّطْقِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَغَيْرِهِ، وَحُكْمُ الْأَعْجَمِيِّ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ لَهُ مَا ذَكَرَ آنِفًا مِنَ اللَّحْنِ فِي الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا وَإِمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا فَقَطْ، كَمَا يُغْتَفَرُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِيهَا مُطْلَقًا لِمَنْ لَا يُحْسِنُهَا. وَقَوْلُهُ الْأَخِيرُ الَّذِي لَمْ يَفْهَمْهُ النَّاقِلُ فَكَانَ مَحَلَّ الشُّبْهَةِ وَهُوَ وَإِذَا ائْتَمُّوا بِهِ إِلَخ. مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَعْجَمِيَّ الَّذِي لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ إِذَا أَمَّ مِثْلَهُ فَأَقَامَا مَعًا أُمَّ الْقُرْآنِ، أَيْ أَحْسَنَ كُلٌّ مِنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ، أَوْ لَحِنَا جَمِيعًا فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ، أَوْ نَطَقَ أَحَدُهُمَا بِالْأَعْجَمِيَّةِ أَوْ لِسَانٍ أَعْجَمِيٍّ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ كَانَتْ صَلَاةُ كُلٍّ مِنْهُمَا صَحِيحَةً؛ لِأَنَّ اللَّحْنَ وَالْعُجْمَةَ وَالرَّطَانَةَ الْأَعْجَمِيَّةَ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ لَا تُبْطِلُ الْإِمَامَةَ وَلَا الصَّلَاةَ، إِذْ رُكْنُ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ هُوَ الْفَاتِحَةُ، وَمَا عَدَاهُ مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لَا فَرْضٌ وَلَا وَاجِبٌ- وَلَيْسَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي الصَّلَاةِ وَاجِبٌ غَيْرُ فَرْضٍ- وَالْمَفْرُوضُ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنَ النُّطْقِ بِالْأَعْجَمِيَّةِ أَوْ بِاللِّسَانِ الْأَعْجَمِيِّ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ سَبَبُهُ الْعَجْزُ عَنِ الْقِرَاءَةِ الْفَصِيحَةِ لَا التَّلَاعُبُ وَلَا قَصَدُ غَيْرَ الْقِرَاءَةِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُمَا.